أقام فرع الدوحة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة ندوةً، عبر البث المباشر، بعنوان “إيدك يا سندي… عن الثورة والسويداء والجولان”، شارك فيها كل من الناشط السياسي علي أبو عواد، والباحث الكاتب مضر الدبس، ووجّه فيها الشيخ أحمد الصياصنة كلمة مصورة، وأدارها عمر عبد اللطيف الإعلامي في قناة الجزيرة.
تناولت الندوة التي أقيمت مساء الثلاثاء، في عدة محاور، دوافع الحراك الثوري المتجدد في محافظة السويداء، والظروف الاجتماعية الخاصة التي تحيط بهذا الحراك، والسيناريوهات المتوقعة لردات فعل نظام الأسد في مواجهته، وخيارات شباب الثورة.
بدأت الندوة بكلمة مصورة وجهها الشيخ أحمد الصياصنة، أحد رموز وقادة الحراك الثوري في درعا، إلى أهالي وثوار السويداء، حيّا فيها حراكهم الثوري، الذين أثبتوا من خلاله بأن “الشعب السوري حي وثابت على مواقفه الرافضة للظلم والطغيان”، وشكر فيها مواقف أهالي السويداء الأصيلة، مؤكداً أن “موقف أحرار السويداء ليس بجديد على أهالي السويداء وهم أحفاد سلطان باشا الأطرش”، كما شكرهم على رفضهم الانضمام إلى جيش النظام السوري الذي شارك في عمليات القتل والتدمير ضد أبناء الشعب السوري بعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011.
وشدد الشيخ الصياصنة في كلمته على أن أبناء جبل العرب في السويداء وسهل حوران هم يد واحدة وأصحاب هدف واحد وقلب واحد، كما حذر من المغرضين والمأجورين الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر وإشعال الفتن بين مكونات الشعب السوري، وأخيرًا وجه تحية شكر خالصة إلى ثوار حوران وثوار سورية كافة، الذين ضربوا للعالم أروع مثل في الصمود والعطاء خلال السنوات الماضية.

وعقّب الباحث مضر الدبس على كلمة الشيخ الصياصنة، قائلًا: “إن هذه اللغة وهذه المواقف ليست جديدة على السوريين وعلى أهل درعا الكرام، فهذا هو النبض الذي اعتدنا عليه، كسوريين، وهذه هي الروح التي جمعتنا، هذه اللغة المليئة بالروح الوطنية والطيبة والبساطة التي تمثلنا جميعًا”، لافتًا إلى أن ما يحدث في سورية أثبت مرة أخرى أن السوريين ما زالوا شعبًا واحدًا، بالرغم من كل هذه الهمجية التي مورست عليهم.

وأشار الدبس إلى أن كلمة الشيخ الصياصنة تكتسب أهمية لأسباب عدة، أهمّها أنها تدحض روايات النظام الذي يسعى إلى زرع الفتنة بين أبناء المحافظتين، وأثبتت أن المسألة الدينية في سورية تقع في الحيز الشخصي، لأن الإسلام في سورية ليس إسلامًا سياسيًا، بل هو متقبل ومنفتح على الجميع. كما أشاد بالوحدة التي تجمع بين أبناء السويداء وأبناء درعا، واعتبر أن ثوار درعا هم أقرب اليوم، إلى أهالي السويداء، من الذين اخترقوا التظاهرات واعتدوا على المتظاهرين السلميين، وأهل السويداء الشرفاء أقرب إلى أهل درعا، من أولئك الذين يتعاملون مع قوات أجنبية، سواء أكانت إيرانية أم روسية، أو الذين لهم علاقات مشبوهة مع النظام.
وتطرقت الندوة إلى التظاهرات التضامنية التي خرجت في الجولان السوري المحتل، وإلى نظرة أهالي الجولان إلى حراك مدينة السويداء وكيفية تعاطيهم معه. وحول ذلك، علّق الناشط السياسي علي أبو عواد، بالقول: “أودّ أن أشير إلى الحالة الإنسانية الشعبية المتديّنة البعيدة عن أي استخدام سياسي، التي كانت وما زالت عابرة لكل الطوائف، والتي تختلف تمامًا عن الأسلمة السياسية القادمة إلى المجتمع السوري التي تستخدم مشروعها الإسلامي كامتياز ذاتي أو لجهات أجنبية، وكانت الوجه الآخر للنظام، عبر العقود الماضية، حيث أثار النظام السوري النعرات الطائفية، واستجابت له هذه القوى التي شكلت طعنة كبيرة للثورة السورية”.

وأضاف: “لا أشير إلى الإسلام السياسي بالمعنى السنّي فقط، بل أيضًا إلى الإسلام السياسي المُستخدم من قبل إيران لتحقيق أجندات معينة. لقد أثبتنا -السوريين- أننا أمناء على إرثنا ومصيرنا، وأن كل المحاولات التي قام بها النظام والجماعات الإسلامية المتشددة لم تستطع تشويه صورة الشعب السوري المتماسك”.
ورأى الدبس أن الحراك الحالي في السويداء لا ينفصل عن تاريخ الحراك في سورية منذ عشر سنوات، وكانت شرارة انطلاقه مع الحراك المطلبي الذي انطلق في بداية العام الحالي، تحت شعار “بدنا نعيش”، والذي بدا وكأنه يحمل مطالب اقتصادية، لكنه في الحقيقة يحمل مطالب أخرى تجسدت في ما يحصل الآن. وأضاف: “لم يكن الأمر مجرد مجموعة فقراء يطالبون بلقمة عيشهم من هذه السلطة الحاكمة، بل كان استشعارًا للموت بشكل أو بآخر، إضافة إلى أسباب أخرى، منها النزاع الذي حصل مع فصيل عسكري محسوب على روسيا، وأدى إلى مقتل 15 شابًا من قرية (القريّة)، إضافة إلى حرق المحاصيل والتضييق على الناس، كل ذلك ولّد شعورًا بضرورة الانطلاق مرة أخرى، وجميع المؤشرات التي تأتينا من السويداء حاليًا توحي بأن الشباب لديهم إصرار أكثر من أي وقت مضى، وهذا الإصرار يعوّل عليه كثيرًا، إلا في حالة لجوء النظام إلى العنف الشديد، وهذا أمرٌ غير مستبعد عنه نهائيًا”.
وتحدث أبو عواد عن خصوصية هذا الحراك، بالنسبة إلى أهالي الجولان السوري المحتل، وعن نظرة البعض منهم سابقًا إلى النظام على أنه حالة أو مشروع وطني، يحمل راية التحرير أمام قوى معادية متعددة الأطراف، مشيرًا إلى أن ما ساعد النظام في ترسيخ هذه الصورة هو ظهور الجماعات التكفيرية المتشددة بصورتها القبيحة الإجرامية، فكان هذا الحراك مؤثرًا في الجولان أكثر من تأثيره في الحالة السورية بالعموم. وأضاف: “الناس -خاصة البسطاء ورجال الدين- كانوا ينظرون إلى إجرام النظام من بعيد، ولا يدركونه بشكل حسي، لكنهم يشعرون بارتباك، ويحاولون تبريره بأن ما يحصل أو أن ما تبثه وسائل الإعلام قد يحمل بعض المبالغة. الجولانيون اليوم بدؤوا يرون سقوط دعاية النظام وأكاذيبه، وكيف أوصل البلاد إلى حافة الضياع في كل شيء، وبدأ الناس يدركون أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة، كتنظيم (داعش) وغيرها، هي إحدى أدوات النظام من أجل إخماد الثورة”.
وناقشت الندوة مدى تأثير الجانب الديني في السياسة والحراك الثوري، ورأى الدبس أنه لا يوجد مؤسسة دينية مركزية لدى الطائفة الدرزية، حيث إن علاقة غالبية أفراد المجتمع بالدين تمرّ عبر الثقافة والعادات والتقاليد، وقد تماهى الدين مع الثقافة لدرجة يصعب التمييز بينهما، وقد أصبحت هذه الحالة الدينية تعبّر عن هوية جماعية. وأشار إلى أن إيجابية هذه المسألة تكمن بوجود طائفة لا تستطيع أن تخلق مجتمعًا طائفيًا، لكن خطورتها تكمن في أن يصبح الإنسان قادرًا على تقديس ما لا يعرف، وبالتالي عندما يظن أنه يدافع عن الطائفة، في مرحلة من المراحل، قد يبتعد عن المنطق والصواب. وأضاف: “هناك رأي أو صوت سائد في المجتمعات الدرزية، سواء في لبنان أو سورية، يقول إن وجود هذه الطائفة مرتبط بوجود النظام، لكن هذه المؤسسة الدينية التي يرأسها مشايخ العقل تبقى قابلة للخرق دائمًا، وهي تضطر إلى صنع أيديولوجية خاصة بها، ليست دينية ولا اجتماعية، بل هي مزيج من الاثنتين. وعندما نتكلم عن أيديولوجية، فنحن نتحدث عن مساحة ذهنية نجد فيها إجابات عن كل شيء، وهذا يفسّر أن الحراك في السويداء كان نخبويًا أكثر من كونه مستندًا إلى العمق الاجتماعي، وإذا كان هناك خصوصية فهي ليست طائفية، وإنما تقديس للعادات والتقاليد الموجودة”.
وعرّجت الندوة على تأثير حركة “رجال الكرامة” أو ما بات يُعرف بـ “ظاهرة البلعوس”، نسبة إلى مؤسسها الشيخ وحيد البلعوس، في المجتمع الدرزي في الجولان والسويداء، ورأى أبو عواد أن هذه الحركة تركت أثرها على الوسط المتدين خارج المؤسسة الدينية، سواء في السويداء أو في الجولان، فيما رأى الدبس أن هذه الحركة حافظت على حكم الدين باسم الأصالة، لكنها اهتدت إلى تعريف آخر مرتبط بالانفتاح على الآخر، وقال: “استطاعت هذه الحركة أن تُنشئ علاقة جديدة مع ما يمكن تسميته بتاريخ السويداء في الثورة السورية، حيث أرادت هذه الحركة أن تصنع كرامتها بأيدي شباب اليوم، فهي لم تنسف الماضي التاريخي، ولكنها لم تكتفِ به فقط، وهذه مسألة في غاية الأهمية”.
وفي المحور الأخير، تحدث أبو عواد عن سقوط دعاية “الصمود والتصدي” التي يروّج لها النظام في الجولان، وعن تخلي النظام عن الجولان وتركه يواجه مصيره مع الاحتلال الإسرائيلي، وعن استخدام قضية الجولان في الدعاية لنفسه في التصدي والصمود والممانعة.
وفي الختام، أجاب الضيفان عن أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.