عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، أمس الثلاثاء 26 كانون الثاني/ يناير 2021، ندوة تقويم لنقد الملفّ الكبير الذي نشرته مجلة (قلمون)، في عددها المزدوج الأخير 13/ 14 الذي صدر في نهاية الشهر الماضي بعنوان: “التفاعل بين الدين والمجتمع في سورية (1920 – 2021)“، شارك فيها يوسف سلامة، رئيس تحرير المجلة، وثلاثة من الأكاديميين والباحثين، قدّم كلّ واحد منهم قراءته النقدية لهذا الملف، وهم أحمد الرمح، الكاتب والباحث، وماريز يونس، الأكاديمية والباحثة، وأدارها وشارك فيها أيضًا حسام الدين درويش، الأكاديمي والباحث.

أبدى الباحثون والأكاديميون المشاركون في الندوة انطباعهم الأوّلي عن العدد الأخير من مجلة “قلمون” وملفها الرئيس، واصفين الملفّ بأنه من القضايا الساخنة والقضايا الراهنة التي تعتمد المنهج التحليلي والقراءة التاريخية، وأن فكرة الملف فكرة مهمة، كونها تتحدث عن شيء من التاريخ السوري المعاصر، وأن الكتابة في هذا الموضوع تحديدًا هي نوع من إعادة كتابة التاريخ بأسلوب فكري تحليلي يُنير نقاطًا وزوايا مهمة جدًا، حتى تتم الاستفادة من التجارب السابقة. وأشاروا إلى أن مجلة “قلمون” قدمت في ملفها الأخير رؤية حول أحداث مهمة جدًا في التاريخ السوري المعاصر، خصوصًا أن هذين العددين تناولا قرابة قرن من التاريخ السوري.

وقدّم المشاركون وجهات نظرهم، وانتقدوا بعض عناوين الملفات التي تضمنها العدد، وأثنوا على بعضها الآخر، مؤكدين أن الهدف الرئيس من هذا النقاش وهذا النقد هو الارتقاء بالمجلّة، وأن مجلة “قلمون” طرحت في عددها الأخير ملفًا شائكًا يقدّم إضاءات مهمة، معربين عن أملهم في أن تتابعها المجلة مستقبلًا.

وقدّم يوسف سلامة شرحًا مفصلًا عن الملف الرئيس في العدد الأخير المزدوج، مبينًا أن فكرة الملف الأساسية تقوم على استكشاف التفاعل بين متغيّرين: متغيّر الدين وإلى أي حد أثرّ في المجتمع، ومتغير المجتمع نفسه وإلى أي حد أثرّ في الظاهرة الدينية أو في التدّين السوري. وأضاف أن الملف رصد التفاعل بين الدين والمجتمع، من خلال خمسة محاور أساسية: الأول الإسلام السياسي، الثاني التصوف، الثالث الطائفية والطائفية السياسية، الرابع محور القانون الذي تم التركيز فيه على قانون الأحوال الشخصية وموقف النظام من الاتفاقات الدولية، والمحور الخامس، وهو الأخير، هو علاقة الفن بالمجتمع وكيفية استقبال المجتمع السوري، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، لهذه الفنون، وكيف تحوّل الموقف من السلبية إلى الإيجابية.

وقدّم أحمد الرمح قراءة نقدية للمنهج الذي اعتمده الباحثون وللأفكار التي قدموها في الأبحاث التي اشتمل عليها العدد الأخير، لافتًا النظر إلى مناطق الفراغ التي طُرحت في قضية الإسلام السياسي، وموضوع “الإخوان المسلمون في سورية”، وأيضًا موضوع “التصوّف حضوره وآثاره”، وقال: “بالنسبة إلى الإخوان المسلمين على اعتبار أنهم الشاغل للحالة السورية، فأي إنسان يكتب عن الإخوان المسلمين وتشكيلهم، من دون أن يمرّ على فترة مهمة جدًا بتفاصيلها، من عام 1970 حتى عام 1982، فلا يمكنه فهم الإخوان، ولا يمكن فهم ما جرى، ولا يمكن أن نعرف لماذا أخفقت الحالة الثورية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية حينما يتم الحديث عن الإسلام السياسي، فالإسلام السياسي في سورية ليس الإخوان، فلدينا إسلام سياسي حزب التحرير، ولدينا السلفية بمدارسها الـ 11، ولدينا التبليغ والدعوة، ولدينا في الجانب الصوفي الهرارية أو الأحباش”.

وأشار إلى أن العدد الأخير من مجلة “قلمون” لم يتحدث عن الهدف من الإسلام السياسي، موضحًا أن الإسلام السياسي يعني أن “هذا الفريق الإسلامي لديه مشروع للوصول إلى السلطة، لأنه لا يعتقد بأن الإسلام إسلامٌ، إن لم يكن موجودًا في السلطة”، وهناك جماعات دينية أخرى تعمل على دعم هذا الإسلام السياسي أو أن لديها مشروعًا آخر أو مساعدة للأنظمة الأخرى، وهؤلاء يمكن تصنيفهم جميعًا بأنهم يستخدمون الدين، لأن هذا الدين منذ العهد الراشدي حتى اليوم هو يُستخدم، وليس هو الرسالة السماوية التي تقدّم.

وأوضح يوسف سلامة أن العدد الأخير من مجلة (قلمون) تناول “الإسلام السياسي”، بمفهومه الحركي الذي يُمارس والذي يحاول أن يصل إلى السلطة بأساليب مختلفة، والصراع بين الطليعة المقاتلة والفروع المختلفة التي انشقت عن الإخوان المسلمين، وكانت جزءًا منهم، ومن ثم كانت متممة لعمل الإخوان المسلمين بشكل أو بآخر، وتبيّن أخيرًا أن صراعهم مع حافظ الأسد كان هدفه السلطة، وما تناوله العدد هو الإسلام السياسي الحركي الذي مارس العنف ضد نظام عنيف أيضًا، وهذا الصراع بين الطرفين أوصل سورية إلى هذه النتائج التي نحن فيها، ومنها التوريث والاستبداد وغيرها، أي “حاولنا أن نرى الإسلام السياسي في حركته الفعلية، ومن ثم تتبعنا الإسلام وكيف كانت تحولاته”.

وتطرقت الندوة إلى التكامل بين الأبحاث التي قدّمها العدد الأخير من المجلة، ومدى النجاح الذي حققته هذه الأبحاث في التكامل فيما بينها لرسم الصورة المرجوّة للعلاقة بين الدين والمجتمع في سورية، إضافة إلى وجهات النظر المختلفة حول الملفات المتنوعة في العدد الأخير.

وحول ذلك أوضحت ماريز يونس أن “هدف المجلات العلمية هو تقديم المعرفة العلمية المساهمة، وليست هي منصة للتواصل الاجتماعي، فيها وجهات نظر من دون أدلة وبراهين ومراجع ومنهج وقواعد وأصول علمية معرفية، وإن المقالات في مجلة (قلمون) كان يطغى عليها تقديم وجهات نظر، من دون أن تبدأ بالقضية المعرفية التي يجب طرحها، ومن ثم يمكن للقارئ أو للجمهور أن يقتنع بما تطرحه من فكرة أو قضية، لكن من المفترض أن تطرح المجلة العلمية قضية، وهي ليست مجالًا للترويج لوجهات نظر، من دون الاستناد إلى مراجع أو قواعد علمية، ومن الواضح جدًا، في العدد الأخير من مجلة قلمون، الخلط بين الباحث والفاعل”.

وأكد يوسف سلامة، في سياق ردّه على ما تحدثت به ماريز يونس، أن مجلة (قلمون) هي مجلة أكاديمية ومُحَكّمة، ولها أسلوب في التحكيم، وهي مجلة تتيح للسوريين التعبير عن آرائهم، وإن كانوا مختلفين فيما بينهم، ولكننا لا نسمح لأحد بتخطي الحقائق والوقائع المعترف بها في الجوّ السوري أو في الحياة السورية من الناحية السياسية، أما من الناحية الأكاديمية، فنحن دائمًا نكتب للباحثين: “استرشدوا بهذه القواعد استرشادًا مرنًا”، لأنه ليس من السهل تطبيق هذه القواعد تطبيقًا حاسمًا لا رجعة فيه، إلا لموضوعات ربما لا تتعلق بالصراع الاجتماعي أو الحياة أو المظلوميات بشكل كبير جدًا، ولكن الموضوعات التي نتحدث عنها هي بحد ذاتها مفتوحة للتعددية في وجهات النظر وللبوح الخفي أحيانًا من الباحث، ونحن نتفهم ذلك ونتسامح فيه إلى حد معين.

في ختام الندوة، لفت سلامة النظر إلى أن القائمين على المجلة يحاولون إقامة التوازن بين كل العناصر المنهجية والضرورية على الأقل بالحد الأدنى، والارتقاء بمستوى المجلة من عدد إلى آخر، وقد تحقّق تقدم في ذلك من خلال اختيار الموضوعات، وهناك صعوبات ومشكلات نعترف بها، لكن جزءًا من عملنا هو العمل على مساعدة البشر، في أن يكونوا جزءًا من الجماعة السورية العلمية، التي هي جماعة ضعيفة، ونعتقد أن مجلة (قلمون) لها رسالة تدريبية، وهذا التدريب لا ينفصل عن التشجيع، ولكن بما لا يخلّ بالحد الأدنى من شروط المنهجية المطلوبة.

يوسف سلامة: رئيس تحرير مجلة قلمون، أستاذ سابق للفلسفة بجامعة دمشق، دكتوراة فلسفة، وباحث مشارك في المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق، عضو في العديد من اتحاد الفلسفة العرب، وله مؤلفات عدة منها: “الدولة والحداثة في فكر طه حسين”، “التفكير الطوباوي”، “الحضارة بين الحوار والتفكير الطوباوي”، و”الفلسفية لخطاب التحرير عند قاسم أمين”، وغيرها.

ماريز يونس: أكاديمية وباحثة لبنانية، أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية اختصاص تنمية اقتصادية اجتماعية، تعمل حاليًا باحثة استشارية في الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، ضمن برنامج بحثي حول الشباب في البيئات اللبنانية المهمشة. وتشغل موقع المنسقة العامة للشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية، ومنسقة الجمعية العربية لعلم الاجتماع في لبنان، والمسؤولة الإعلامية للجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع، ولها العديد من الأبحاث في مجال الحراك المدني ومنظمات المجتمع المدني والمواطنة والهجرة وغيرها.

أحمد الرمح: باحث وكاتب سوري، مهتم بشؤون الإسلام السياسي، شارك في نشاط لجان إحياء المجتمع المدني في سورية، وفي تأسيس ملتقى الحوار الوطني السوري، وتجمع العمل الوطني للقوى السياسية الوطنية، وغيرها، وله العديد من الكتب المطبوعة.

حسام الدين درويش: باحث سوري في مركز الدراسات الإنسانية للبحوث المتقدمة “علمانيات متعددة: ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات” في جامعة لايبزيغ، ومحاضر في قسم الدراسات الشرقية، في كلية الفلسفة في جامعة كولونيا في ألمانيا. حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوردو في فرنسا، له كتابان باللغة الفرنسية وكتابان باللغة العربية، ونشر عشرات الأبحاث والدراسات المحكَّمة.