عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة ندوةً بعنوان التغييرات في المواقف الدولية من القضية السورية، شارك فيها كلّ من سامر إلياس، الكاتب المختص بالشأن الروسي؛ وأيمن عبد النور، السياسي والإعلامي السوري؛ وأدارتها الإعلامية ديمة ونوس.

 تناولت الندوة المواقف الدولية من الملفّ السوري، وموضوع العقوبات، وتراجع قانون قيصر، ومستوى اهتمام الإدارة الأميركية الحالي بالملف السوري، وإمكانية التغيير أو الوصول إلى تسوية ما بين الولايات المتحدة وروسيا، خصوصًا بعد الاتفاق الأخير بين الدولتين على قرار الأمم المتحدة إرسال المساعدات عبر الحدود.

استهلّ أيمن عبد النور الندوة بتوضيح الهدف الحالي للإدارة الأميركية الجديدة في سورية، الذي تحدث عنه مسؤولون أميركيون، وهو “تغيير سلوك النظام السوري وليس إسقاطه”.

وأوضح عبد النور أن سورية اليوم “لا تتصدر قائمة أولويات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الجديدة، نظرًا لوجود كثير من المشكلات الداخلية في أميركا، والتحديات الخارجية وخاصة المنافسة المهمة مع الصين”.

وأضاف عبد النور أن هناك ثلاثة عوامل تجعل أميركا تتعامل مع ما يجري في سورية بهدوء وبنفَس طويل وأهمها: “أنه لن يكون هناك موجة لاجئين تعبر الحدود باتجاه أميركا، ولن يعبر إرهابيون من سورية باتجاهها، وأن إمدادات النفط لن تتوقف، مهما حصل من حرب في سورية”.

ونقل عبد النور عن المسؤول الأميركي السابق جيمس جيفري قوله: “إننا نسعى إلى إطالة أمد الصراع، من أجل إغراق روسيا وتدمير اقتصادها وإضعافها في منطقة الشرق الأوسط”.

وتحدّث عبد النور عن إيران وموقف الإدارة الأميركية الجديدة من إخراج إيران من سورية، وعن الأسباب وراء تغير هذا الموقف بالنسبة إلى ملفّ القضية السورية.

وقال عبد النور إن “هناك فارقًا كبيرًا بين رؤية مقاربة التعامل مع إيران، بين الحزب الديمقراطي الذي يرى أنه بمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية يمكن ضبط أدائها خارج حدودها، وبالتالي يمكن التعامل بخصوص قضيتين أساسيتين: الصواريخ البالستية، ودورها السياسي خارج حدودها الذي تهيمن فيه على أربع عواصم، وتمددها حتى في أفريقيا ودورها الإقليمي والدولي؛ وبين الرئيس السابق ترامب (الحزب الجمهوري) الذي كان يشعر أنه يمكن الضغط على إيران من خلال العقوبات وإضعافها اقتصاديًا ومنعها من تصدير النفط، ومن ثم جرّها إلى الطاولة من أجل إنجاز الاتفاق النووي، ولكن بشروط أفضل بكثير من التي أبرمها الرئيس السابق أوباما”.

وأشار إلى أن إيران تشعر اليوم بأنها في “فترة استراحة”، إذ لم يكن هناك قرارات وقائمة عقوبات جديدة ضدها من إدارة الرئيس بايدن. ورأى أن إيران تعدّ نفسها واقعة في منطقة مفصلية، “فإما أن يتصاعد الموقف الأميركي ضد إيران، كما حصل مع الرئيس أوباما ومن ثم نشهد التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، وإما أن تشدد الطرفين سيؤدي إلى عرقلة وجمود، ومن ثم تبدأ أميركا بالتصعيد والضغط على إيران”.

وعن الموقف الروسي ووجود إمكانية للتسوية ما بين أميركا وروسيا، تتعلق بالملف السوري، خاصة بعد تصريحات السفير الروسي في واشنطن عن آفاق للتعاون في مختلف المجالات، ومنها المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين، قال عبد النور إنه “لا يوجد هناك ثقة بين الفريقين الروسي والأميركي، بالنسبة إلى الملف السوري. ومع الأسف، مهما بلغت خطوات الطرفين فإنها لا تسير باتجاه تراكمي يُمكّن من حلّ سوري، ومن أجل ذلك تسعى الجالية السورية في أميركا إلى تقديم حل متكامل، من أجل وضعه أمام الإدارة الأميركية، بحيث يتم الوصول إلى حل وفق القرار الدولي 2254”.

وتناولت الندوة مسألة تراجع ورقة العقوبات الأميركية المفروضة على نظام الأسد من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، والتي لم تُصدر سوى حزمة عقوبات واحدة على شخصيات وكيانات داعمة له.

ولفت عبد النور الانتباه إلى أن الإدارة الأميركية الحالية هي “إدارة ديمقراطية”، وتقف ضد تدخل الولايات المتحدة في أي مكان في العالم، وهذا الأمر ينطبق على سورية، كما أنها ضد أن تُستخدم العقوبات كأدوات في السياسة الخارجية، سواء في سورية أو غيرها، ولا يمكن أن يتجاهل الرئيس بايدن مطالب حزبه الحاكم، ومسألة الأمن القومي لبلاده”.

وعن مسألة قبول أميركا بأن يكون هناك تنسيق بين روسيا والدول، من أجل فكّ العزلة عن نظام الأسد، مقابل تنازلات تطلبها من الجانب الروسي، أكد عبد النور أن “هناك تشددًا واضحًا من الإدارة الأميركية في مسألة فك العزلة عن النظام، سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، وذلك بناءً على الشعبية التي يحظى بها قانون العقوبات (قيصر)، ولذلك فالوضع مؤهل لأن يستمر على ما هو عليه”، في إشارة إلى التحذيرات الأميركية لبعض الدول التي تسعى إلى إعادة علاقاتها مع النظام السوري، من أنها ستشملها العقوبات بموجب هذا القانون.

وتطرقت الندوة إلى الاتفاق الروسي الأميركي، بشأن تمديد آلية إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود إلى السوريين في الداخل، وخاصة في الشمال السوري.

وفي هذا الجانب، قال سامر إلياس: “بالرغم من الاتفاق على الجانب الإنساني بين روسيا وأميركا، فإنّ الأمور لم تسر باتجاهات كبيرة جدًا، فهناك مجموعة من القضايا السياسية العالقة والصعبة بين الطرفين، وسط غياب الاستراتيجية الواضحة لدى الجانبين، من أجل الخروج من الأزمة السورية”.

وتابع أن “الجانب الروسي معنيّ بالحصول على أكبر نتائج ممكنة، نظرًا لتدخله العسكري في سورية ودعمه للنظام السوري، دبلوماسيًا وعسكريًا، ولو أنه استطاع إيجاد حلول من أجل تسهيل وجوده في سورية وعدم التخريب عليه، بغض النظر عن وجود أميركا وغيرها من الأطراف الأخرى، لكان قام بهذا الأمر بالرغم من سعيه إلى تفاهمات معينة مع أطراف إقليمية لتحقيق هذا الأمر، لكن الصفقة الكبرى يجب أن تتم مع أميركا التي لا تطرح حتى الآن الثمن الذي يريده الجانب الروسي (إعادة اللاجئين، والبتّ في قضايا سياسية معينة من أجل ثبيت نظام الأسد)، إضافة إلى أن أميركا ليس لديها رغبة في الاستثمار في هذه المنطقة، ولا في البقاء الطويل في منطقة الشرق الأوسط، نظرًا لتركيزها على قضايا أخرى، منها الصين”.

ورأى إلياس أن الحل السياسي الذي تطلبه روسيا هو “المحافظة على مساري أستانا وسوتشي، وإنهاء جميع المسارات الدولية، أو المزاوجة بين مساري أستانا وجنيف، من أجل إيجاد حلول، وهو أقصى ما يمكن أن تقدمه للحل، ولكنها حتى الآن لم تمارس الضغوط اللازمة على نظام الأسد”.

وأضاف إلياس: “روسيا تنتظر انسحاب أميركا من سورية، ولكن وجود أميركا في سورية غير مكلف كي يدفعها للخروج، وحتى لو انسحبت، فلن تسهل أميركا مهمة روسيا في سورية، أي ستبقى العقوبات ويبقى الفيتو الأميركي على تأهيل النظام وتمويل إعادة الإعمار، وهذا مأزق لروسيا، فإلى أي حد يدفع هذا الوضع روسيا لقبول صفقة مبادلة، من جهة رفع العقوبات ورفع الفيتو على إعادة الإعمار، أو مقابل انتقال سياسي وذهاب الأسد ونظامه وضمان مصالح روسيا؟ وما هي شروط تحقق مثل هذه الصفقة؟”.

وقال إلياس إن “الجانب الروسي كان يصرّ دائمًا على أنه موجود بشكل شرعي في سورية، بعكس الجانب الأميركي، وكان يصرّ على أن الجيش الأميركي يشجع نزعات انفصالية في شمال شرقي سورية، وهو موجود من دون موافقة الحكومة الشرعية، ومن الممكن أن يؤذي وحدة وسيادة الأراضي السورية، وهي بذلك تتفق مع تركيا وإيران، من خلال بيانات أستانا الواضحة بشأن عدم تشجيع النزعات الانفصالية والمحافظة على وحدة وسيادة سورية”.

وأشار إلى أن “الشكل الأفضل بالنسبة إلى روسيا هو انسحاب أميركا من سورية، من دون أن تقدم ثمنًا كبيرًا، وهي تعمل اليوم على تجييش بعض العشائر وإيجاد فرق لها على الأرض، من أجل أن تساعدها في جعل كلفة الوجود الأميركي في هذه المنطقة كلفة عالية، وبالتالي يمكن أن تخرج أميركا بفعل هذا الموضوع، كما أنها تسعى جاهدة لدفع الأكراد في المنطقة الشرقية نحو التفاوض مع النظام، من أجل حل هذا الموضوع، وهي مستعدة للانفتاح على مجموعة من العروض”.

وأعرب عن اعتقاده “بأن روسيا بانتظار الصفقة المناسبة من أجل مصير الأسد، شريطة أن يحافظ على مصالحها الاقتصادية في سورية ووجودها في منطقة الشرق الأوسط وبقاء الشركات الروسية في سورية كمنطلق إلى دول أخرى”.