عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، يوم الثلاثاء 20 نيسان/ أبريل 2021، ندوة بعنوان “الاستعصاء الإيراني في سورية”، شارك فيها كلّ من محمود الحمزة الأكاديمي والسياسي المعارض؛ وضياء قدور الباحث المختص في الشأن الإيراني؛ ورشيد حوراني الباحث في الشؤون العسكرية؛ وأدارتها الإعلامية السورية ديمة ونوس.
ناقشت الندوة الاستعصاء الإيراني في سورية، بالرغم من الضغوط الدولية لتقليص هيمنتها ووجودها الاحتلالي، وتطرقت إلى حجم المصالح المشتركة بين إيران وبين النظام السوري.
وفي بداية الندوة، أوضح محمود الحمزة أن إيران لديها طموحات بالتوسع في المنطقة والعالم ونشر الثورة الإسلامية، وهذا مبدأ عام في السياسة الخارجية لنظام الملالي، وبالتالي كانت سورية إحدى المحطات المناسبة جدًا لها، وذلك منذ عهد حافظ الأسد.
وأضاف الحمزة أنه مع بداية الثورة 2011 انخرطت إيران في دعم النظام السوري، ووضعت استراتيجيات وأنشأت غرفة عمليات مع النظام ومع “حزب الله”.
وأشار إلى أن إيران تغلغلت في المؤسسة العسكرية والأمنية، وتغلغلت أيضًا في المشاريع الاقتصادية، وأسست الميليشيات العسكرية التي هي سمة التدخل الإيراني في المنطقة.
ورأى الحمزة أن المشروع الإيراني ضرب جذوره التوسعية في سورية بشكل عميق جدًا، مستغلة الظروف التي تمرّ بها سورية وحاجة النظام إلى الدعم والحماية.
وسلّطت الندوة الضوء على أهم الأهداف التي تسعى إليها إيران في سورية، وفي هذا الجانب، ذكر رشيد حوراني أنه لو عدنا بالتاريخ إلى العام 2005، عند انسحاب الجيش السوري من لبنان، كان هناك فرح في الأوساط السياسية والعسكرية الإيرانية، وكانت إيران إبان الثورة التي انطلقت في العام 2011 تمني النفس أن يكون مآل سورية هو مآل لبنان، وأن تؤسس قوى وميليشيات عسكرية تسيطرعلى الدولة كحالة “حزب الله” في لبنان، وأن تسيطر في سورية من خلال هذه الميليشيات على سورية، وإن هدفها الرئيس هو تحقيق ما يسمى “النظرة التوسعية”، ونشر الفكر والامتداد التوسعي.
وبيّن حوراني أن ما يقوي إيران في المنطقة العربية بشكل خاص هو غياب المشروع العربي، واعتمادها على المكونات العربية من الشيعة، في ظل غياب دولة المواطنة في المنطقة، واستثمار إيران في الخطاب الأيديولوجي ونفخ الروح الثورية والتمرد، مستثمرة أحداثًا مرّت منذ 1400 عامًا، ما جعل الخطاب الإيراني يلقى آذانًا صاغية لدى تلك المكونات المنتشرة في سورية والعراق ولبنان والبحرين والسعودية، وهذه من عوامل قوتها.
وعن العلاقة بين روسيا وإيران في سورية، رأى حوراني أن التحالف الروسي الإيراني هو تحالف الضرورة، وما يجري بينهما تفاهمات مرحلية وليست إستراتيجية، وكل منهما يحتاج إلى الطرف الآخر، فالطرف الإيراني بحاجة إلى الطرف الروسي ليشكل له غطاء سياسيًا، وكذلك الطرف الروسي أيضًا يحتاج إلى القوة الضاربة والذراع العسكرية وهي الميليشيات العسكرية على الأرض، ومن هنا، فإن كل طرف يمكن أن يستفيد من الآخر في الملف السوري خاصة، وفي ملفات خارج الساحة السورية بشكل عام، كما حصل في أذربيجان وأرمينيا.
وناقشَت الندوة حقيقة هيمنة إيران على جزء من القرار العسكري للنظام السوري، ومستوى انقسام الولاءات داخل المؤسسة العسكرية بين إيران وروسيا، وأسباب قبول روسيا بدور إيراني عسكري واقتصادي وسياسي في سورية، وماذا تجني روسيا من وراء هذا الدور، بالرغم من وجود احتمال لانقلاب إيران عليها.
وتناولت موقف الولايات المتحدة المتوقع على المدى المتوسط تجاه التغلغل الإيراني، وهل هناك مصالح مشتركة تُشرِّع لهذا التغلغل، وكذلك حقيقة العداء بين “إسرائيل” وإيران، والدور الروسي الوسيط بينهما، وغيرها من المواضيع ذات الصلة.
وفي هذا الجانب، قال محمود الحمزة: “في بداية الثورة، اتخذت روسيا قرارًا سياسيًا بدعم النظام السوري، ولكنها اعتقدت أن القضاء على التظاهرات الشعبية أمرٌ سهلٌ، وأنّ التدخل العسكري ضد التظاهرات، ودعم حزب الله لاحقًا وإيران للنظام، سيحلّان المشكلة، علمًا أن روسيا في البداية لم تتدخل بشكل مباشر، وكان هناك دعم عسكري بالأسلحة ودعم دبلوماسي واقتصادي، وكانت روسيا تعتمد على مرتزقة (فاغنر) كجيش غير رسمي”.
وتابع أن روسيا اعتمدت على إيران التي أعلنت تمسكها ببشار الأسد حصرًا وبالنظام، ومن أجل ذلك حاول الروس استغلال هذا الدور الإيراني كقوات برية على الأرض.
ولفت النظر إلى أن النظام الإيراني يريد الهلال الشيعي من إيران إلى العراق إلى سورية إلى لبنان، وأن النظام السوري بالنسبة إلى إيران هو حلقة أساسية، وإذا رحل النظام السوري فسيرحل “حزب الله” لاحقًا، وتفرط كل الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة.
ورأى أن إيران ركزت على النظام، لأن النظام السوري هو جزء أساسي من الأهداف الإيرانية التوسعية، وهو أداة ممتازة استفادت منها إيران لذلك ركّزت عليه، وهذا كله كان يناسب روسيا التي كانت في البداية متحالفة عسكريًا وبشكل قوي مع إيران.
وشبّه الحمزة التحالف الإيراني الروسي بـ “زواج المتعة”، وأضاف أنه تحالف تكتيكي، وليس إستراتيجيًا، ولا أحد في روسيا ولا في إيران مقتنع بالطرف الآخر، وكل منهما يخشى أن يبيع الآخر للغرب، ومن هنا، لا يمكن لروسيا أن تستمر في تحالفها مع إيران، فالموضوع متعلق بإسرائيل وأميركا، لأن روسيا تعتبر أن أمن إسرائيل هو من أبرز الأولويات.
وفي ردّ على سؤال حول مدى تأثير العقوبات الأميركية على قوة إيران في سورية، أجاب الحمزة أن “العقوبات الأميركية ضد النظام الإيراني عمرها أكثر من 15 سنة، لكنه يستطيع الالتفاف على تلك العقوبات بطرق كثيرة، وتساعده في ذلك روسيا، وقد اعتمد على النظام العراقي في ذلك الالتفاف، وأيضًا هناك شركات وهمية كثيرة، في إيران وسورية، بإمكانها الالتفاف على العقوبات، كما أن روسيا وشركاتها تعمل على إرسال المساعدات إلى سورية بالتفاهم مع إيران ودول أخرى”.
وتطرّقت الندوة إلى حجم البرنامج المذهبي القومي الذي تعمل عليه إيران في سورية، وموقف روسيا من هذا البرنامج ومن التغيير الديموغرافي الذي تسبب به.
وذكر ضياء قدور أنهمنذ بدء الثورة السورية كان هناك مصالح مشتركة بين روسيا وإيران، تتمثل في الحفاظ على بشار الأسد كرئيس لسورية، والحفاظ على الحكم القمعي الشديد. ولكن بعد أن بسط النظام سيطرته على أكثر من 65 % من الأراضي السورية، وانحسرت المعارك على أغلب الأراضي السورية، بات هناك فرق في الرؤى بين النظرة الروسية والنظرة الإيرانية لشخصية بشار الأسد.
وأوضح قدور أن إيران ترى في بشار الأسد نقطة أساسية ومحورية للحفاظ على تمددها في سورية، أما روسيا فتراه نقطة مصالحية تستفيد منه حتى إذا ما انتهت منه تستطيع الاستغناء عنه، وهنا تبرز نقطة الصراع بين الطرفين، وقد تجلت ملامحها في عدد من الأحداث في الداخل السوري، سواء في مناطق سهل الغاب مؤخرًا أو العمليات الأمنية وعمليات الاغتيالات في الجنوب السوري، والمشكلات التي تحدث شرق سورية، ومحاولة التمدد الروسي في مناطق النفوذ الإيراني الأساسية، خاصة في الجنوب السوري، وباتت روسيا تحاول مزاحمة ما يسمى بالحليف الإيراني في مناطق نفوذه الأساسية جنوب وشرق سورية.
في ما يتعلق بمشروع إيران “التغيير الديمغرافي”، الذي يأخذ حيّزًا كبيرًا من هموم السوريين المهجّرين، أوضح قدور أنه لا يوجد إحصاءات لحجم التغلغل الإيراني الثقافي أو حجم الاستيلاء على الأملاك والأراضي السورية، إنما هناك بعض التقارير التي تتحدث عن استيلاء إيران على الأراضي في المناطق الشرقية (دير الزور والبوكمال)، لأن إيران تريد السيطرة على هذا الخط، للمحافظة على نفوذها من إيران مرورًا بالعراق إلى سورية إلى البحر المتوسط.
وأضاف أن هناك تقارير تحدثت عن شراء تجّار مدعومين من إيران لعقارات في مثلث (حمص، دمشق، دير الزور)، وأشارت إلى أن موضوع الشراء كان يتم بشكل عشوائي، وفي الفترة الأخيرة، باتت عمليات الشراء تتم بشكل مخطط، خاصة في مناطق تشكل حماية لنفوذها وطرق إمدادها.
وأكد قدور أن إيران هي السبب الرئيسي في المشكلة في سورية، ويجب عليها أن تخرج منها، فهي تدخلت في سورية من أجل النفوذ ومن أجل التغيير الديموغرافي، وتسعى إلى ذلك أكثر مما تسعى إلى المكسب الاقتصادي في سورية، وإن “أول بنود الحل السوري هو إخراج إيران بشكل نهائي من سورية”.
وختم بالتأكيد أن الوجود الإيراني في سورية هو “استعصاء”، ولا يمكن نكران هذه الحقيقة، لأن التدخل الإيراني بدأ منذ اليوم الأول للثورة السورية، وذلك باعتراف وزير دفاع النظام السوري الذي زار طهران وقال: “كنّا نخطط أنا وقاسم سليماني لقمع التظاهرات”، وكانت التظاهرات حينذاك سلمية، ولم يكن هناك أي فصيل عسكري مسلح على الأرض السورية، حتى إن قاسم سليماني (متزعم ميليشيا فيلق القدس) باعتراف وسائل الإعلام الإيرانية، كان له دور في دعم قوات النظام بالأدوات القمعية لقمع المتظاهرين، ومن هنا نجد أن التدخل الإيراني كان منذ البداية إلى جانب النظام السوري.
محمود الحمزة: أكاديمي سوري مقيم في موسكو، عمل أستاذًا جامعيًا في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، كبير الباحثين في أكاديمية العلوم الروسية، كاتب مختص بالشأن الروسي، وسياسي معارض.
ضياء قدور: نقيب مهندس منشق، باحث وكاتب في الشأن الإيراني، رئيس لجنة متابعة التدخلات الإيرانية في سورية. له العديد من المقالات والأبحاث التي تخص التدخل الإيراني في سورية.
رشيد حوراني: ضابط جامعي منشق، رئيس المسار العسكري في مركز طوران للدراسات، ومركز أبحاث ودراسات مينا، لديه العديد من الأبحاث في الشأن السوري في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام.