عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة، عبر البث المباشر، الثلاثاء 9 آذار/ مارس 2021، ندوة بعنوان “أهم دروس الثورة السورية في ذكراها العاشرة”، شارك فيها ميشيل سطوف السياسي المعارض، وراتب شعبو الكاتب والمعتقل السياسي، وأدارتها ديما ونوس الكاتبة والإعلامية.
تناولت الندوة أسباب فشل الثورة في تحقيق أهدافها، حتى الآن، وأين تعثرت المعارضة؟ وأين نجحت؟ وما هي سبل تصحيح المسار وإعادة الروح للثورة السلمية التي اختطفتها رايات الاستبداد الديني والأسدي؟ وكيف يمكن الحفاظ على الهوية الوطنية ووحدة الجغرافيا؟
وتطرقت الندوة إلى هيئات المعارضة السورية وإستراتيجياتها، ودور المجتمع المدني، وسيناريوهات الحلّ المحتملة في ظلّ فشل العملية السياسية، وغيرها من القضايا ذات الصلة.
في بداية الندوة، قدّمَ ميشيل سطوف لمحة عن أهمّ الدروس التي قدمتها الثورة السورية، بعد مرور 10 سنوات على انطلاقتها. وبيّن أن أول درس إيجابي فاعل للثورة السورية أنها “انطلقت”، وعبّرت عن ظرف موضوعي ناضج إلى حدٍّ ما، انطلق بشرارة الربيع العربي، ومن هذا المنحى، فإن الثورة السورية عبّرت عن ضرورة في الوضع السوري، وهو درس مهم جدًا.
وأضاف أن الدرس الثاني المهمّ أيضًا هو أن الثورة في انطلاقتها أدت مهمتها الأولى، وهي “كسر الوراثة الأسدية”، بمعنى أن حافظ الأسد أتى ليحكم سورية، لكنه، مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ومع التحالف مع الخميني الإيراني، أصبح يتجه إلى “تأسيس عهد، كالعهد الأموي وعهد المماليك..”، لكنّ الثورة السورية عندما انطلقت وقفت في وجه هذا الأمر، وأكدت أن الوراثة غير ممكنة، وأن استمرار النظام في الحل الأمني والموقف العنفي لا يمكن أن يستمر.
ورأى أن كل مقومات نجاح الثورة بسرعة لم تكن متوفرة على الإطلاق، بالرغم من أن الشعب السوري أعطى درسًا خارقًا في الأشهر الأولى من الثورة، حيث عبّر عن أصالته الفطرية، لكن القوى السياسية التي كانت موجودة في الأصل لم تفهم طبيعة النظام، مع أنها تعلم كثيرًا من الأمور عنه، منذ عهد حافظ الأسد وما قبل حافظ وما بعده وصولًا إلى عهد بشار الأسد.
وأضاف سطوف: “يمكننا القول إن هناك عطبًا حقيقيًا في الذات السورية، بمعنى أن الذات السورية مصابة بأمراض عديدة، وبأعطاب على مختلف الصعد، في الحاكم والمحكوم، ونحن علينا ضمن إطار الثورة أن نفكر في هذه الأمور، فعطب الذات أساسًا يمنع التراكم المعرفي، لأن الأنانية عاملٌ من عوامل الثورة المضادة”.
من جانب آخر، رأى راتب شعبو أن أهمّ ما حدث في سورية هو “تفجّر الإرادة بشكل لم يكن في الحسبان، الأمر الذي خلق مسافة كبيرة ما بين هذه الإرادة والقوة الشعبية، وما بين الاستعداد السياسي لاستثمار هذه الطاقة”. وأشار إلى أنّ أهمّ ما نجحت فيه الثورة السورية، خلال 10 سنوات من عمرها، هو أن نظام الأسد لم يعُد قابلًا للاستمرار، فالنظام اضطر -بتأثير هذه الثورة واستمراريتها- إلى إظهار الجانب الذي يبطنه، وأن يظهر على أنه نظام لا يرتدع أمام أي قيمة لا وطنية ولا إنسانية ولا أخلاقية، أي اضطر إلى الظهور بـ “صورة فجّة”، وهذا الأمر من إنجازات الثورة، “ولكن مع الأسف كان إنجازًا ثمنه دماء ودمار”.
وقال شعبو: “في الذكرى العاشرة للثورة السورية، علينا أن نُحيي انطلاقتها، لكن ما جرى لاحقًا هو كوارث، ومن وجهة نظري، لم يعد للثورة السورية وجود على الأرض، وهي موجودة في القلوب، والواقع الآن في سورية أسوأ مما كان عليه قبل عام 2011، ونحن الآن أمام أربع مناطق متباينة جغرافيًا ومحكومة من جهات متحاربة فيما بينها، ونحن أمام أربعة أزمنة سياسية مختلفة، في إدلب أو اللاذقية أو الجزيرة مثلًا، ونحن الآن أمام شعوبٍ سوريّة، لا شعب واحد، لذلك فإن الثورة حققت مجدها وانتهت”.
وتناولت الندوة، في أحد محاورها، الأسباب التي تقف وراء تعثر الثورة السورية، والعلاقة بين المعارضة السياسية كنخبة وبين الداخل السوري، وعلاقة ذلك بهذا التعثر، وسبب فشل المعارضة السورية في العمل المنظم وفي العمل الجماعي، وعجز المعارضة عن خلق رمز قيادي مقبول قادر على الإقناع والتغيير والمضي بأي حل سياسي.
وفي هذا السياق، تحدث ميشيل سطوف بأن هياكل المعارضة التي قامت لم تشكّل في لحظة من اللحظات نخبًا وطنية ثورية، إنما شكلت طموحًا نحو “البروزة”، ولم يكن الوعي السياسي الوطني الحر الحريص متوفرًا. وأضاف أن هذه الهياكل المُعارضة بأدائها تمثل جزءًا من الثورة المضادة، لكونها لم تستطع أن تقوم بمهماتها، وهي مصممة على الاستمرار والفشل، وتساءل: كيف لنا أن نهزم بشار الأسد ونعدّ أن له رعاة، ونحن لا يملك هامشًا بسيطًا جدًا للرأي؟! ورأى أن الكلُّ يتحمل مسؤولية ذلك.
وفي ما يتعلق بخلق الرمز القيادي القادر على التغيير، قال سطوف: “علينا أن نُخرج هذه الفكرة من أذهاننا، لأنها موضوعيًا غير ممكنة، فالرمز مطلوب منه أن يؤدي مهمات معينة، وعليه أن يمتلك أدوات، وهذه الأدوات (إعلامية عسكرية مالية) غير متوفرة”.
وأشار سطوف إلى أن ما حدث في سورية، على الرغم من المحنة الكبيرة جدًا، أمورٌ كان لا مفرّ منها، وأضاف: “نحن اليوم في مرحلة مخاض انتقالي نحو إدارة جديدة للصراع، ولم نعد في مسيرة ثورية، ولا يمكن تصور أي انتقال من وضع إلى وضع آخر، سواء أكانت أدوات التغيير خارجية أم داخلية، إلا عندما يكون هناك بديلٌ يؤمن مصالح بعض الناس، ويسمح بحد أدنى من الاستقرار”.
وأضاف: “لا بدّ لنا من وعي جديد فكري سياسي، وهذا الأمر في منتهى الأهمية، وعلى الرغم من أننا نلاحظ كثيرًا من المؤتمرات والتكتلات التي تحاول أن تقدم شيء، فإنها لم تنضج بعد، وليست في مستوى الوعي المطلوب، لكن هناك تقدم”.
وفي ردّ على سؤال: ما هو سيناريو الحل في سورية، في ظل فشل العملية السياسية والتحضير للانتخابات الرئاسية؟ أجاب سطوف أن “هناك قضايا يجب حلّها، حتى لا يتفتت البلد، ويجب أن نتجه نحو المصالحة، ونحو تنظيم البيت العسكري كي نشكل روافد ما، تغطي 5% أو 90% من احتياجات الانتقال أو التغيير، فهيئة الحكم الانتقالي لن تأتي على الإطلاق، فعندما يكون هناك تنمية وطنية، ووعي وطني، وولاء وطني، ووعي للحظة الراهنة الصعبة جدًا للوطن السوري المهدد، عندئذ يمكن أن يجتمع الناس، وهنا الانعطاف في فهم التعامل مع المسألة السورية، أي أننا أصبحنا مضطرين إلى أن نتحدث مع الآخر، وأن نهتم بما يقوله الآخر حتى لو كان غير متفق مع رؤانا، بعيدًا عن الثورية وإسقاط النظام وما شابه ذلك من شعارات خلبية، لم يعد لها أي أثر في الواقع”.
وتطرقت الندوة إلى الأسباب التي تقف وراء فقدان المعارضة السورية والثورة السورية لكثير من أصدقائها، في حين أن هناك العديد من الدول، بعد 10 سنوات من الثورة السورية، تسعى لتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد.
وقال راتب شعبو: “إن كلّ تعثر في الثورة السورية هو مكسبٌ لنظام الأسد، وهذا أمرٌ بديهي، وكذلك كان التشتت والتفكك اللذين عاشتهما المعارضة السورية مكسبًا كبيرًا للنظام، أي لا توجد مركزية لدى المعارضة بعكس النظام الذي حافظ على مركزيته، وهذا الوضع السوري أصبح -بالنسبة إلى القوى الكبيرة- وضعًا لا بدّ من التخلص منه”. وبخصوص عودة بعض الدول للتطبيع مع نظام الأسد، قال شعبو: إن النظام اليوم هو أقرب للنظام الدولي من الثورة، وهناك تواطؤ ضمني كان مع نظام الأسد ضد الثورة، لأن هذه الثورة كانت خارجة على النظام العالمي وليس على نظام الأسد فقط، ولكن ما تخسره الثورة يكسبه النظام”.
وفي ختام الندوة، دعا ميشيل سطوف المجتمع السوري بشرائحه كافة، من قوى وثوار وناشطين، إلى تجهيز أنفسهم للمساهمة في عملية التغيير والبناء، خاصة أن المعارضة السياسية لم تستطع أن تحكم أو أن تكون بديلًا لنظام بشار الأسد، وبيّن أن المسيرة طويلة والسنوات القادمة صعبة جدًا، والمعاناة قد تزداد، ولكن في النهاية، “نأمل أن نرى نهاية النفق السوري”.
ميشيل سطوف: طبيب وسياسي سوري معارض، يعيش في المنفى.
راتب شعبو: طبيب وكاتب سوري، سجين سياسي سابق، له كتب منشورة عدة.