أقام مركز حرمون للدراسات المعاصرة، أمس الثلاثاء، ندوة بعنوان “أهمية توافق السوريين على قواعد دستورية محصنة”، شارك فيها كلّ من صباح حلاق، الباحثة وعضو اللجنة الدستورية؛ موفق نيربية، النائب السابق لرئيس الائتلاف السوري، ورئيس المنتدى الأوروبي السوري الديمقراطي؛ محمد علي باشا، المحامي ومدير اللجنة الحقوقية في اللقاء الوطني الديمقراطي في سورية؛ ونادر جبلي، الباحث الحقوقي في مركز حرمون، وأدارها الكاتب والمترجم بدر الدين عرودكي.
ناقشت الندوة مدى ضرورة توافق السوريين على قواعد دستورية محصّنة، وما هي القواعد الدستورية التي يحتاج السوريون إلى تحصينها، ولماذا؟ ومتى توضع هذه القواعد، وكيف؟ ومن يضعها؟ وما مدى شرعية هذه القواعد إن وُضِعت؟ وما مدى انسجامها مع مبادئ الديمقراطية؟ وكيف يمكن التوفيق بين جمود هذه القواعد، وحركة تطور المجتمعات؟
وأوضح المشاركون في الندوة أن “القواعد الدستورية المحصّنة” هي مواد دستورية توضع في الدستور، لكنّ لها خصوصية معينة يتوافق عليها السوريون من حيث المبدأ، بعد أن ينتهوا من إسقاط النظام الاستبدادي وكل نتائجه.
وأبدى المشاركون في الندوة رأيهم حول أهمية وضرورة توافق السوريين على قواعد دستورية محصّنة، وأعربوا عن توافقهم على ضرورة هذه القواعد الدستورية وعلى تحصين عدد من هذه القواعد.
ورأت صباح الحلاق أنه إذا أردنا سلامًا مستدامًا وتغيير سورية نحو دولة ديمقراطية، فلا يمكن جمع السوريين والسوريات إلا على مبادئ تكون ضامنة لسورية المستقبل وشاملة لكل السوريين، ومن هنا فإن المبادئ الدستورية مهمة جدًا لضمان الانتقال نحو دولة ديمقراطية.
أمّا موفق نيربية، فرأى أننا بحاجة إلى مستقبل لسورية، تكون فيه سورية وشعبها موحّدين تحت دستور واحد وتحت آلية حياة تضمن هذا المستقبل، وأشار إلى أن ما نحتاج إليه هو دولة حديثة ديمقراطية مدنية تؤمن بالمواطنة المتساوية، ولكي نستطيع أن ننتقل إلى دولة كهذه، يجب وضع بعض النقاط التي تغلق الطريق على عودة الاستبداد في المستقبل إلى الأبد، وهذا ما تؤمنه المبادئ فوق الدستورية أو المبادئ الدستورية المحصّنة.
وذكر محمد علي باشا أن المبادئ الدستورية المحصّنة هي مبادئ معروفة في كلّ العالم، وجميعها أدت إلى نتائج إيجابية، ولم يصادف أن كانت النتائج سلبية على الدول التي تمسّكت بهذه المبادئ. وأشار إلى أن الإشكالية الحقيقية هي في ثنائية الدستور أولًا أم لاحقًا، أي هل يتمّ انتخاب لجنة تأسيسية، تقوم بالإعداد لدستور تُحدد له مجموعة من القواعد الدستورية التي لا يجوز لهذه اللجنة تجاوزها، وتلتزم بهذه القواعد لكي تكون نتائج الدستور إيجابية بشكل كبير جدًا؟
من جهته، أكد نادر جلبي أنّ من الضروري جدًا وجود ضمانات عليا أعلى من الضمانات الدستورية، تكون قوية جدًا تجعل الجماعات السورية تعود إلى الالتقاء والاتفاق على مستقبل سورية، والاتفاق على الخروج من المأساة السورية، وهذه الضمانات لا يمكن العبث فيها في المستقبل، وهذه هي المحطة الأولى التي لا بدّ منها، حتى ننتقل إلى محطات أخرى، ونتحدث في عقدنا الاجتماعي وفي دستورنا وفي مشكلاتنا.
وتناولت الندوة في أحد محاورها أهمّ القواعد الدستورية المقترحة التي سيحتاج السوريون إلى تحصينها وإلى التوافق عليها.
وفي هذا الجانب، أوضح نادر جلبي أن القواعد تم تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، وأوّلها مسألة الثقة والضمانات، ومسألة إزالة المخاوف عن جميع الفئات من فئات أخرى، والمحور الآخر هو مسألة الاستبداد وعدم عودته والقضاء على أي شكل من أشكال الاستبداد، ومن هنا لا بدّ من وضع بعض المبادئ التي تمنع تسلل هذا الاستبداد.
ورأى أنه يجب أن تضعنا هذه المبادئ فوق الدستورية على سكّة الخلاص، ويجب أن تقودنا باتجاه الدولة الديمقراطية الحديثة، ويجب أن تضمن عملية التقدم بدون نكسات غير محسوبة، وهذا ما يحتاج إليه السوريون، كقواعد محصّنة يصعب تعديلها في المستقبل.
وفي هذا الجانب، ذكرت صباح الحلاق أن من هذه القواعد ضمان حقوق جميع المكونات، وضمان عدم الاستبداد وعدم تكرار ما عاناه السوريون، وتحديد مبدأ دور الجيش ودور الأمن، وتحديد سيادة القانون كمبدأ على الجميع دون استثناء، وتعزيز النظام الديمقراطي وأسسه ومبادئه الأساسية.
أمّا محمد علي باشا، فأشار إلى أن القواعد الدستورية الواجب تحصينها هي: ما يتعلق بفصل السلطات، ما يتعلق بصلاحيات الرئيس، مسألة هوية الدولة أو العلمانية، مسألة حقوق الأقليات في سورية، مبدأ الديمقراطية وآليتها، والعملية الانتخابية ونوع الأغلبية التي ستُعتمد في صناديق الانتخابات. وأشار إلى أن غالبية المبادئ فوق الدستورية متفق عليها من السوريين، بينما هناك مجموعة من المبادئ الإشكالية التي لا بدّ من حلّها عن طريق الحوار، ومنها: شكل الدولة أو هوية الدولة أو العملية الانتخابية والأغلبية المطلوبة في عملية الانتخاب.
وفي محور آخر، سلّطت الندوة الضوء على القضايا التي تفرض نفسها بنفسها لكي تكون محصّنة، والتي يتوافق عليها السوريون، والتي اقترف تجاهها نظام الاستبداد كل الجرائم الموصوفة.
وقال موفق نيربية: إن من أهمّ هذه القضايا “القيم الجمهورية، بمعنى سيادة الشعب وحكم الشعب وآلية تحقيق حكم الشعب، والمسألة الثانية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، والمسألة الثالثة هي بنية الدولة، أي تركيبتها وضمان أن لا يكون هناك أي هواجس لدى المكونات الأخرى”.
وتناولت الندوة أيضًا أهمّ المبادئ الدستورية التي انتُهكت خلال فترة الاستبداد، ومن بينها وحدة الشعب السوري ضمن تنوعه، والنظام الديمقراطي التعددي التداولي عبر صناديق الاقتراع، والمواطنة المتساوية، ومرجعية الدستور، وحيادية الدولة تجاه الأديان والطبقات، وحيادية الجيش والأمن والقضاء تجاه الحياة السياسية، والحريات العامة في التعبير والتنظيم، وحقوق الإنسان، وسورية كدولة مركزية تعتمد على نظام إداري موسع يمنح حقوقًا واسعة للمناطق.
وفي هذا المحور، قال محمد علي باشا: إن “المبادئ فوق الدستورية مهمة للغاية وحساسة جدًا، وهي صمام الأمان المناسب لطمأنة مكونات الشعب السوري كافة على حقوقهم الدستورية، واتفاق السوريين على هذه المبادئ مهمّ أيضًا، قبل الانتقال إلى أي عملية سياسية”.
وقبل ختام الندوة، أجاب المشاركون فيها عن عدد من أسئلة المتابعين لها، ومنها سؤال: “هل تشكل القواعد الدستورية ضمانة لعدم عودة الاستبداد؟ أم أنها مجرّد قواعد مهمة، تحتاج إلى ميزان قوى مجتمعي للدفاع عنها في مواجهة أي استبداد؟”.
وردّ موفق نيربية قائلًا: “المبادئ فوق الدستورية والدستور القائم على مبادئ فوق دستورية أساسية، هو ما يوقف حرب الجميع على الجميع، ويؤدي إلى السلام المجتمعي، إضافة إلى أن هناك ضامنًا دوليًا ونظامًا عالميًا وإقليميًا، وهناك مشكلة يريد العالم الانتهاء منها، ولن ينتهي منها إلا بالخلاص وإيجاد سورية جديدة تكون تحت حماية شعبها وتحت حماية المدنية العالمية الكونية، وهذا الأمرُ يؤمن أن نستمر لاحقًا، على الرغم من كل الخلافات بين جميع المكونات، أي سيكون هناك عقدٌ يصبح هو الأساس للحياة لاحقًا، وهذه المسألة هي الأكثر أهمية”.
في حين ردّ محمد علي باشا قائلًا: “بمجرد إعداد الدستور على أسس صحيحة، فمن الممكن جدًا أن تكون هناك ضمانات يمكن الاستمرار فيها، ولا يمكن تعطيلها من قبل سلطات مستبدة”.
أمّا نادر جلبي، فقال: “تُشَكلُ ضمانة لعدم عودة الاستبداد، في حال كان هناك منظومة متكاملة تسدّ كل منافذ عودة الاستبداد، المتعلقة بمسألة صلاحيات الرئيس، وبسط السلطات، وسيادة القانون، والمحكمة الدستورية ودورها، ومجلس القضاء الأعلى، والجيش وقدرة الجيش وصلاحياته، وعدم قدرة الرئيس على توجيه الجيش والأمن، ولذلك يجب أن تكون المنظومة قادرة على سدّ كل هذه المنافذ بوجه الاستبداد، ومحاصرته لضمان عدم عودته على الإطلاق”.