النقاط التي يناقشها مشروع توافقات وطنية هي نقاط جوهرية جديرة أن تكون كلمة سواء، بين السوريين والسوريات المتنوعين، وبكل مستوى من التنوع.

هنالك بعض التفاصيل التي أرى أن من شأنها تعزيز انتصار هذا المشترك المُتمثل بالمشروع داخل النفس السورية، ليكون مدخلًا لبلورة مجتمع سوري يحمل مفاهيم قانونية مشتركة يلتزم بها ويحتكم إليها، وذلك عبر مزيد من التحديد والتعيين لتحقيق مزيد من الوضوح.

في التفاصيل:

* في الفقرة المتعلقة بالعلمانية المُشار إليها بالفقرة (ش)، وكذلك في الفقرات اللاحقة، أقترح مباشرة بعد كلمة علمانية وضع قوسين، وتوضيح المعنى المراد والمقصود بالعلمانية المراد لها التبني في سورية، أينما وردت، كي لا يتمّ تأويلها بما ليس منها وفيها. وأقترح الصيغة التالية: (العلمانية المقصودة: الاعتراف بحق التدين من عدمه، وعدم استخدام الدين في السياسة، أو السياسة في الدين، حيث التدين حقّ روحي، والسياسة مجال تناول علمي للعلاقة مع الشأن العام المشترك، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وبما يضمن دور كل من الدين والسياسة، كلّ في مجاله دون طغيان، حيث الدّين يُعزز الأخلاق والقيم الروحية ويسهم في تعزيز الوجدان المجتمعي، و السياسة تضمن عمل المؤسسات وتمكين المواطنين من القيام بواجباتهم وحقوقهم بمعزل عن هوياتهم الفرعية المتنوعة، ووفق مبدأ تكافؤ الفرص، بحيث لا ينعكس الدين أو القومية أو المناطقية على هيكلة المؤسسات العامة والتعيين في الوظائف، سواء في الجيش والأمن أو الاقتصاد أو الوزارات …الخ، وكذلك بما يضمن المواطنة المتساوية للسوريين والسوريات).

* في موضوع العدالة الانتقالية، أقترح إضافة عبارة: (إن المدخل للسلم الأهلي المستدام، وللاستفادة من التجربة الإنسانية المريرة التي مرّ بها السوريون والسوريات خلال ما سبق، ولبناء تجربة حضارية متمدنة، هو محاكمة مجرمي الحرب)، والمقصود هنا هو التعريف القانوني لمفردة جريمة حرب، وهو: “استهداف المدنيين دون تمييز، ومن أي طرف كان، وتحت أي راية مارسوا جرميتهم تلك، ومهما بلغ عددهم، ومن أي فئة كانوا”. فبزعمي هذا شرط مهمّ لبناء ثقة بين السوريين والسوريات، ولا يمكن تجاوزه، بل هو شرط لا بدّ منه لبناء وحدة وطنية، “المعنى الاصطلاحي لكلمة وطنية هنا وليس المعنى التفاضلي”.

* فيما يتعلق بالقواعد الدستورية المحصنة، وإن كنت أُدرك أن استخدامها هنا جاء كبديل في الصيغة عن صيغة المبادئ فوق الدستورية، المستفزة لدى بعضهم، وبصيغة مخففة لذلك… بيد أنه من المهم الإشارة إلى عدم وجود قواعد فوق دستورية بالأصل، بل هي قواعد دستورية معيارية تُعطي للدستور شرعية التسمية، ودونها لا يمكن تسميته دستورًا، ولا يمكن تقبل كونه دستوريًا، وإن سُمّي دستورًا بالغصب والاكراه. وأقترح إتباع كلمة القواعد الدستورية بالمحصِّنة، بالإشارة إلى كونها قواعد دستورية معيارية، والتركيز عليها جاء بسبب ضرورتها للتفاعل المجتمعي المتناغم والمُنتج وعدم الطغيان فيما تقدّم.

* وبالتالي، تبيان كونها معيارية مهمّ، حتى لا يبدو تعبير “حصانة استثنائية” وكأنه مُصادرة مسبقة لإرادة السوريين والسوريات. مثلًا في الفقرة (ث)، أقترح إتباع فقرة بكلمة معيارية، بحيث تصبح الفقرة كالتالي: أهمّ ما يُناط بالقواعد الدستورية المحصَّنة المعيارية …. الخ، وإذا كان ممكنًا أقترح أيضًا جعلها بكسر الصاد: القواعد الدستورية المُحَصِّنة المعيارية … والغاية المقصودة هنا هو أن هذه القواعد دستورية، وليست قواعد فوق دستورية أو طارئة على الدستور لظرف استثنائي، كما قد يُفهم من بعض ردات الفعل لغير المختصين على هذا التوصيف، حيث اعتبرت من بعضهم مصادرة لإرادة الناس !

فهي -وفق هذا التوصيف الذي سُقته- دستورية ومن صلب الدستور، مُطلق دستور، ووجودها شرط أساس ومعيار لبقاء الدستور دستورًا، من حيث الماهية والفقه الدستوري الناظم للدساتير عادة، ووجودها تحصين للدستور، وبما يجعل وجود هذه القواعد واحترامها مُحصِّنًا ومعيارًا لبقاء الدستور دستورًا، فبدونها لا يمكن اعتبار الدستور دستورًا، وإن سُمِّي دستورًا كما الدستور الحالي الذي هو أشبه بـ “لائحة تعليمات تنفيذية”، وليس دستورًا. وعندما يُسلّط الضوء على هذه القواعد المشار إليها أعلاه دائمًا وتحترم، فالمقصود أن يكون الدستور متوافقًا مع الفقه الدستوري العام وضامنًا لحياة سياسية مجتمعية طبيعية، بعد سلسلة من الظروف الخاصة، أو بعد التحولات الكبرى التي مرّت بها سورية والسوريون.

* في الفقرة (أ) بموضوع الفصل بين السلطات في سورية، أقترح استبدال كلمة عبارة “النظام السياسي في سورية القادمة على مبدأ فصل السلطات”، بعبارة “يَحترم النظام السياسي في سورية القادمة مبدأ فصل السلطات كمبدأ معياري دستوري…. الخ”، حتى لا يُفهم أن مبدأ فصل السلطات خاص بسورية القادمة أو أنه هو ليس جوهر دستورية الدستور، أو أن دمج السلطات الموجود الآن في “الدستور” هو مبدأ دستوري بالأصل!

* في الفقرة المتعلقة بشكل الدولة السورية الجديدة، أقترح الاستعاضة عن كلمة بلديات، بكلمة “المقاطعات ومجالسها المحلية…. الخ”، وأن يتم إتباع كلمة “المقاطعات” بعبارة “ذات الطابع الإداري الجغرافي الأكثر تكاملًا …. ” مع التأكيد على طبيعة التنوع السوري، بكل مستوياته، المتداخل في كل سورية وضمنًا في المقاطعات الجديدة.

يقتضي اعتماد نظام المقاطعات دمج محافظات عدة (قد يصل عدد المقاطعات من ست إلى سبع مقاطعات في كل سورية)، تُشكّل مع بعضها مساحة مكانية، فيها حد أدنى من التناغم المجتمعي والقيمي والاقتصادي ودورة الحياة.. الخ، وحيث يكون لكل مقاطعة مجلس تمثيلي منتخب، وهيكلية إدارية مناسبة، وبما يضمن الاستفادة من الثروات المحلية في خدمة المكان وتنمية الأطراف، مع حصة للمركز تُسهم في الصرف على المهام المركزية التي تبقى من حصة المركز، من قبيل الدفاع والخارجية والبنك المركزي.. الخ، وعلى أن يكون هنالك على مستوى المركز غرفتان: غرفة لمجلس النواب وغرفة لمجلس الشيوخ الذي يتشكل من مرجعيات وخبرات في الاقتصاد والعلوم، بما فيها المجتمع والسياسة، حيث تُحدد لهذا الأخير آلية لتعيين أعضائه لاحقًا، باعتباره مجلس حكيم وصمّام أمان مجتمعي لضمان صيرورة سياسية منتجة على المستوى السوري العام بمسائل التنمية.

* معالجة المسألة الطائفية والقومية والمناطقية تبدأ -بزعمي- بتبني اللغة القانونية في تناول الحديث العام، دون الدخول في مجاملات أو اتهامات فئوية، وكذلك بالاحتكام إلى القانون في ما يخص أي تهديد للوحدة المجتمعية، من خلال التركيز على المواد الدستورية والقانونية التي تُجرّم أفعالًا بعينها، تُشكِّل تهديدًا لوحدة المجتمع السوري، وكذلك محاكمة مجرمي الحرب المُشار إليها آنفًا، وكذلك الإقرار بالحقوق الثقافية للجماعات البشرية المُشكّلة للمجتمع السوري والدولة السورية، من قبيل اللغة واعتمادها في التعليم والتعلّم ووسائل الإعلام، والعادات والتقاليد والأعياد، وعدم إطلاق صفة فئوية على تسمية الدولة السوريّة الجديدة.. الخ، وعدم اعتبار ذلك نقطة ضعف في الوحدة المجتمعية، بل عامل تعزيز للتناغم المجتمعي، في ظلّ قانون يضبط إيقاع المجتمع بمعزل عن الهويات الفرعية، وكذلك التمييز بين الحقوق الثقافية للجماعات المُشكِّلة لسورية وبين حقوق الأفراد التي هي جوهر الحقوق السياسية، من قبيل حق التعبير والتصويت والترشح والترشيح.. إلخ.

إن ضمانة احترام هذه التوافقات الدستورية، من السوريين والسوريات، هي بمثابة بناء الهوية السورية الجديدة على مفهوم المصلحة المشتركة، وهي تبدأ من المصلحة الاقتصادية المشتركة إلى المصلحة السياسية والأمنية، وكل أشكال المصلحة، وعدم إدخال الأدلجة في تصور سورية المشتركة، خاصة أن الغالب لدى السوريين والسوريات هو تباين نظرتهم الأيديولوجية إلى هذه الـ “سوريا”، وإن تحدثوا عنها وعن رغبتهم فيها، فهم مختلفون في تصورهم عنها، بل كثير منهم يعتبرها جزءًا تفصيليًا في فضاء أيديولوجي ممتد خارج الحدود، لذلك التركيز على مفهوم المصلحة والمصالح وقوننته أمرٌ غاية في الأهمية، لضمان استمرارية احترام هذه التوافقات الدستورية المكتوبة وضمان تنفيذها والتقيد بها.

 ولمزيدٍ من بلورة هذه التوافقات وإشراك الآخرين فيها، أقترح اختيار عناوين جزئية منها، لتكون عناوين للقاءات على الزووم أو التلفزيون أو مقالات، قابلة للتفاعل. وطرحها عبر منابر عدّة، لتصل إلى تقبّل مجتمعي بحد مشترك مقبول يُبنى عليه.