خلق الله تعالى الرجل والمرأة من نَفسٍ واحدة، وجعل ذلك قاعدة الوجود الإنساني، ومنحهما درجةً واحدةً، من حيث التكاليف والثواب والقيمة الإنسانية، حيث يقول: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنُحيينّه حياة طيبة}. وإن كان لكلّ من الرجل والمرأة بنية فيزيولوجية ونفسية تختلف عن الآخر، مع قدرة كلّ منهما على أداء مختلف الأعمال والمهن بذات السويّة والنجاح، ويمتلكان ذات القدرات العقلية والفكرية، والإمكانات الإبداعية، مع قدرةٍ أعلى عند المرأة من الناحية العاطفية، تقابلها قدرة أعلى عند الرجل من الناحية الجسدية، وهي ما تتطلّبه الحاجة للدفاع عن الأرض، والتوجه نحو القتال والحروب. وعلى الرغم من قدرة المرأة في العصر الحاضر على المساهمة في القتال إلى جانب الرجل، فإنّ الحروب في الغالب يخوضها الرجال.
على مرّ التاريخ، جرت العادة في الحروب على أن يقاتل الرجال، بينما تقوم النساء بالعناية بالجرحى وتحضير الطعام، بيدَ أنّ نتائج تلك الحروب كانت تنعكس مباشرةً على النساء، فالطرف المهزوم لم تكن هزيمته تقتصر على خسارة الحرب والأرض، بل كان يخسر عِرضه وشرفه من خلال سبي نسائه، وهي عادةٌ قديمة درجت في الحروب منذ الأزل، وكانت المرأة السبيّة مستباحة في كل شيء، فهي الجارية والخادمة.
وإذا تركنا الحروب التقليدية جانبًا، وانتقلنا إلى الحروب الأهلية والثورات ضد الطغاة؛ فإننا سنرى وضع المرأة البائس، فهي خاسرةٌ في كل الأحوال، إنْ فقدت زوجها في الحرب فهي الأرملة التي خسرت عشيرها ومعيلها، وإن فقدت ابنها فهي الثكلى التي ستعيش محروقة الفؤاد مدى حياتها حزنًا على ابنها، وكذلك الأخت التي تفقد أخاها أو أباها. لكن الخسارة الكبرى حينما تكون المرأة هي الضحية الفعلية للحرب، عندما تقع ضحية أعمال الخطف أو الاعتقال أو السبي، فهي أول ما تخسر شرفها وعِفتها، من خلال عمليات الاغتصاب التي يقوم بها الخاطفون أو الجلادون الطغاة، وبالرغم من تعدد الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تحرّم سبي النساء واغتصابهنّ في زمن الحروب، فإنّ الرادع غير موجود، فتكثر تلك الجرائم في الحروب الأهلية أو في البلاد التي يحكمها الطغاة المستبدون الذين يستخدمون أبشع الوسائل لإذلال معارضيهم، وخاصةً في الثورات، فيستغلّون ضعف النساء وعدم قدرتهن على المقاومة، ويمارسون جرائم الاغتصاب بحقهنّ دون رادع ديني أو أخلاقي، والأمثلة كثيرة في العصر الحديث على تلك الجرائم التي مورست بخاصة ضد المسلمين، ففي حرب استقلال البوسنة والهرسك، كان الصرب يدخلون القرية أو البلدة المسلمة فيقتلون جميع الرجال والأطفال، ثم يسوقون النساء المسلمات إلى معسكرات جماعية ليتم توزيعهنّ على الجنود لاغتصابهنّ، وتشير بعض الإحصاءات (الغربية) إلى أن عدد النساء المسلمات اللاتي اغتُصبن قد بلغ أكثر من 30 ألف امرأة، وكانت بعض عمليات الاغتصاب تمارس بحق طفلات قاصرات صغيرات، وبالنتيجة لم يعاقَب المجرمون، وماتت الجريمة بانتهاء الحرب وكأن شيئًا لم يكن(1).
كما حصل الأمر ذاته في حرب استقلال كوسوفو، وحدث كذلك في بورما وأفريقيا الوسطى، حيث يُقتل الرجال وتُغتَصب النساء المسلمات أمام مرأى ومسمع العالم الحرّ دون أن يتحرك فيهم ضمير أو خُلق(2).
وفي سورية، قدّمت المرأة السورية أعظم التضحيات، إذ قدّمت أولادها وزوجها وإخوتها شهداء فداءً للحرية والكرامة، وتعرضت للاعتقال والتعذيب والاغتصاب من قبل الطغاة والمجرمين، في سابقة تاريخية لا مثيل لها، وربما لسان حال الأم يقول: يموت الرجال فيستشهدون ويرحلون إلى الجنة، ولكنهم يتركون الحسرة عند الأم والزوجة والأخت.
تُرفع القبّعات للمرأة، الرقيقة اللطيفة، القوية الجسورة، التي تحمل على كاهلها جنون هذا العالم.
المصادر:
- معهد أبحاث الجرائم ضد الإنسانية والقانون الدولي- وكالة رويترز للأنباء 25/ 03/ 2015
- تقرير لقناة الجزيرة، منشور بتاريخ 15 /11/ 2008