مقارنة النقد بين فتاتَين من الشام واليمن:
هنا أحاول توصيف النقد، ومقارنته، بين فتاتَين، من بلدين مختلفين، وليس مقارنةً بين الفتاتين، لاختلاف مسيرة كل منهما.
ظهرت الناشطة الإعلامية السورية يقين بيدو، في فيديو مصوّر، وبدأت حديثها بأن الإعلام الثوري والرسمي لم يكن موجودًا قبل عام 2015.
بكل تأكيد، لم يُسعد النطق والحظ والخبرة كلام يقين، فقد أخطأت خطأً جسيمًا، بهضم حقوق عشرات الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجّرين من أبطال الإعلام، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، الذين لم يكن لديهم الوسائل الحديثة لنقل الأخبار في ظروف عسكرية وأمنية خطرة جدًا.
ربما انبهار يقين بالجائزة التي حصلت عليها، جعل غشاوةً على بصيرتها، وربما التكبّر المؤقت، الناتج عن صغر سنها وقلة خبرتها، وهو أمرٌ طبيعي في مثل حالتها.
النقد الذي صدر عن كثير من الثوار والإعلاميين كان على مستويات عدة:
– نقد عتب ولوم، وتمنى عليها الاعتذار.
– نقد تفاجأ أصحابه من هذه السقطة الكبيرة، لسيدة يُفترض بها أن تتواضع لمن أوصلها إلى الحصول على الجائزة، وهي جهود وتضحيات الإعلاميين الأوائل، الذين ضحّوا بحياتهم لإيصال صوت وصورة الثورة للعالم.
– نقد قاسٍ جدًا، من إعلاميين لم يفقدوا حسّهم الثوري، ولم يسمحوا للغرور أن يتسرّب إلى حياتهم، ورأوا أنّ يقين قد غلبها الكبر والغرور والتجنّي، وتضييع جهود الإعلاميين الأوائل، وهي التي لم تظهر للعلن إلا في الآونة الأخيرة، وقد صدر هذا النوع من النقد من كلا الجنسين.
– نقد إداري حادّ جدًا، صدر من “اتحاد إعلاميي مدينة حلب”، الذي أصدر قرارًا بفصل يقين من عضويته، بعد نشر مقطع الفيديو المذكور.
بالنتيجة؛ كتبت يقين على صفحتها الشخصية اعتذارًا عمّا صدر عنها من كلام، رأت أنه فُهِم على غير مقصده، وأنها لم ولن تتجنى على إعلاميي الثورة، وأنها تقدّر تضحياتهم، وربما خانها التعبير في ذلك.
البعض قبِل الاعتذار، والبعض رفضه، ورأى أنه صدر بعد إلحاح وضغوط عليها من المقربين.
ربما لا ينبغي أن نكون قضاةً يرفضون الاعتذار والاعتراف بالخطأ، خاصةً أن الخطأ الأول، وأن قلة الخبرة والتجربة وصغر السنّ قد يشفعا ليقين هذه الزّلة، وكان من الأَولى أن نرفق بالفتاة، ونعلمها، وننصحها، بدلًا من الأحكام المسبقة والانتقادات القاسية التي صدرت بحقها. وما نرجوه هو انتهاء اللغط والجدل في هذه القضية.
…………………………………………….
منذ مدة قصيرة، تم تعيين الناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان، في مجلس حكماء (فيسبوك).
كرمان التي حصلت على جائزة نوبل للسلام، وفرحت بها نساء العرب والعالم لوصولها إلى هذا الإنجاز الكبير، كان من المتوقع أن يكون تعيينها في (فيسبوك)، في مجلس مراقبة المحتوى، مصدر فخر للنسويات، وللعرب عمومًا، ولكنّ المفاجأة غير المتوقعة، هي كمّ النقد والافتئات والتجني والسُّباب على الفتاة، وعلى إدارة (فيسبوك) ذاتها، وخاصةً من النسويات، وأصحاب الفكر الليبرالي الحرّ.
في هذه المرة، اتّحدت الانتقادات نحو كرمان واتّهمت بأنها “إخونجية، داعشية، ذات توجه راديكالي، متحالفة مع المتطرفين، وتبرر جرائمهم”، وأنها ستفسد منصة (فيسبوك).
تعود جانب من الانتقادات الموجهة إليها إلى توجهاتها السياسية، ومن ذلك علاقتها بتركيا، ودفاعها عن قطر في وجه المقاطعة الخليجية. وقد كانت توكل فاعلة في الثورة اليمنية، ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ما ساهم في حصولها عام 2011 على جائزة نوبل للسلام. بيدَ أن ارتفاع حدة انتقادها للتحالف السعودي-الإماراتي، ووقوفها ضد عسكر مصر، ومن بعد تعيينها في (فيسبوك)، دفع كثيرين إلى التنمّر عليها، أفرادًا وسياسيين وأنظمة.
يقول غونتر ماير، الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، إن وجود كرمان في هذا المجلس أمرٌ مبرّر تمامًا، نظرًا لإسهاماتها الصحفية والحقوقية، خاصة أنها تضع نفسها ضد الأنظمة العربية السلطوية المدعومة من الغرب، ومنها الإمارات والسعودية، اللتان احتلتا اليمن وتعملان على تقسيمه، وكذلك النظام المصري الذي يعادي كرمان، كونها دافعت عن أعضاء الإخوان المسلمين المعتقلين دون محاكمة عادلة في مصر. (1)
ولم تتوقف الحملات في (تويتر) على مهاجمة كرمان، فقد وصلت إلى انتقاد (فيسبوك) بدوره عبر وسم #حذف_الفيسبوك_بسبب_توكل_كرمان
ووصل الانتقاد إلى بعض الصفحات الغربية، إذ كتب موقع “صوت اليهود”، وهو موقع جريدة محافظة في نيويورك: “شخصية تدعم الإسلام الراديكالي ستكون واحدة من الشخصيات التي ستقرّر ماذا سيقرأ الناس على فيسبوك. (2)
إن اختيار كرمان من مجلة التايم البريطانية، ضمن أكثر 100 امرأة تأثيرًا خلال القرن الماضي، وحملها الورد مقابل الرصاص الذي كان يطلقه عسكر نظام علي عبد الله الصالح خلال ثورة عام 2011، جعلاها من بين النساء العربيات ذات التأثير الحقوقي والصحفي والنسوي الكبير.
ومنهم من وصل به الأمر إلى اتهام إدارة فيسبوك بأنها منصة إخوانية.
على الرغم من أن مجلس حكماء فيسبوك يضمّ عددًا من الشخصيات من دول عدة في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لاتخاذ قرارات مهمة بشأن المحتوى الذي يسمح به أو يلزم بإزالته، من على موقع فيسبوك، إلا أن الانتقادات تركّزت على كرمان.
يضم المجلس في عضويته، إلى جانب توكل كرمان، خبراء قانون وناشطين في حقوق الإنسان وصحافيين، منهم نائب رئيس معهد كاتو المحافظ جون سامبلز صاحب كتاب “الكفاح من أجل الحد من الحكومة”، فضلًا عن ألان روسبريدجر، رئيس التحرير السابق لصحيفة الغارديان البريطانية، المسؤول عن نشر وثائق وكالة الأمن القومي المسربة من إدوارد سنودن، ورئيسة الوزراء الدنماركية السابقة هيلي ثورنينغ شميت الرئيسة السابقة لمنظمة “سايف ذا تشيلدرين” غير الحكومية (3).
الذي يجمع أصحاب الانتقاد لكرمان هو أن عددًا منهم هم من أصحاب الفكر الليبرالي، المحسوبين على نخبة المثقفين العرب، وكذلك من مؤيدي الثورات المضادة، وأنظمة الحكم القمعية والدكتاتورية، إضافةً إلى بعض السياسيين الأوروبيين.
فقد وصف النائب في مجلس العموم البريطاني إيان بيزلي، قرار شركة فيسبوك، بتعيين الناشطة اليمنية توكل كرمان في مجلس إدارتها للرقابة على المحتوى بأنه “أمرٌ يصعب تصديقه” (4).
وطالبت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي غوليه بمقاطعة فيسبوك، بعد تعيينه الناشطة اليمنية توكل كرمان (5).
كما أن موقع “أودياتور أونلاين”، السويسري، قال في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني: إن “تعيين فيسبوك لتوكل كرمان في هيئة الحكماء مقلق للغاية”. إضافة إلى التحريض الإعلامي الذي انتهجته قنوات العربية السعودية و(سكاي نيوز) الإماراتية والقنوات المصرية ضد تعيين كرمان في هذا المجلس.
ما هي الأسباب؟
هل لأنها محجبة؟
هل لأنها ناصرت قضايا ثورات الربيع العربي؟
هل لأنها ضد أنظمة القمع والدكتاتوريات؟
الغريب في الأمر أن النسويات كان لهنّ النصيب الأكبر في انتقاد كرمان، وهو ما يشير بوضوح، إلى الهوّة السحيقة، بين الانتقاد لمجرد الانتقاد، والانتماء الديني أو السياسي، وبين الانتقاد الموضوعي القائم على أسس ومعايير حيادية.
ربما نحتاج إلى المزيد من الموضوعية، والمراجعات الفكرية، على مستوى النُّخَب، ومن جميع الانتماءات السياسية والدينية والاجتماعية، لنصل إلى كلمة سواء، أمام أنفسنا، وأمام شعوبنا، وأوطاننا.
………………………..
المصادر:
1. إسماعيل عزام، موقع DW الألماني، 11/5/2020.
2. ذات المصدر.
3. موقع الجزيرة نت، 7/5/2020
4. صحيفة العرب، 1/6/2020
5. صحيفة الجمهورية، 15/5/2020